ابن تيميّة وإله الفلاسفة

الأخ / أدريان كانديار

طالب دكتوراه وعضو المعهد الدومنيكيّ

icon-calendar الثلاثاء ٢٣ أبريل ٢٠١٩

قد خصّص ابن تيميّة (ت ١٣٢٨/٧٢٨)، في المجلّد التاسع من كتابه الضخم درء تعارض العقل والنقل والّذي يشكّل نقدًا غنيًّا ودقيقًا  للغاية للأطروحات العقلانيّة، ما يقرب من خمسين صفحة لدحّض الأفكار الميتافيزيقيّة للأرسطو كما قدّمها ثابت بن قرة (ت ٩٠١/٢٨٨) في تلخيصه.

على عكس الفلاسفة الّذين يفترضون جميعًا استقلاليّة العقل فيما يتعلّق بالنقل، يدافع ابن تيميّة عن فكرة أنّ النقل هو العقل وهو نقطة البداية لكلّ تفكير.

لا يمكن أن يكون الله العلّة الغاية فقط، حسب أرسطو، ولكنّ يجب اعتباره في الوقت نفسه العلّة الفاعلة وهذا يتناقض مع ارسطو. بالنسبة لابن تيميّة يرشدنا النقل إلى أنّ الله هو «إله» كالعلّة الغاية بصفته «المعبود» وفي ذات الوقت هو «ربّ» كالعلّة الفاعلة بصفته «الخالق». يردّ ابن تيميّة أيضًا على فكرة أن يكون العالم قديمًا وهو ما يتعارض مع النقل، بغضّ النظر عمّا يقوله الفلاسفة الّذين يدّعون أنّهم مسلمون. في النهاية، يدافع ابن تيميّة عن الفكرة غير الأرسطيّة بأنّ لله إرادة بوصفه العلّة الأولى. خلق الله العالم بإرادته وليس بموجب تشوّق أو نقص.

إله الفلاسفة، لكي نستعيد عبارة الفيلسوف الفرنسيّ بليز باسكال، ليس هو الإله الخالق كما يدلّ عليه النقل بل هو نتيجةٌ غلط لتفكير العقل البشريّ المتروك على حاله دون نقل.

وجهات نظر المسلمين حول الحوار بين الأديان

جمال جزوليّ وديني جريل وأوميرو مارُنجو بيرّيا

حلقة نقاش يديرها الأخ / أدريان كانديار، عضو المعهد الدومنيكيّ

في المعهد الفرنسيّ بالمنيرة

icon-calendar الجمعة ٣٠ نوفمبر ٢٠١٨

صحيحٌ أن الحوار بين الأديان ظلّ ولأمدٍ طويل مبادرةً من جانب المسيحيّين، إلّا أنّ العديد من الصيحات المسلمة كانتْ ذات صدًى مسموع، داعيةً إلى الكشف عن الأسس القرآنيّة والنبويّة للتلاقي مع غير المسلمين. وقد أدار الأخ أدريان كانديار، وهو طالب دكتوراه في الدراسات الإسلاميّة وعضو في المعهد، مناقشةً بين ثلاثةٍ من علماء المسلمين الناطقين بالفرنسيّة، وهم: جمال جزوليّ المتخصّص في القرآن ومدير معهد النور في مدينة سيرجي بونتواز الفرنسيّة، وديني جريل المتخصّص في التصوّف والأستاذ الفخريّ في جامعة إيكس مارسيليا، وأوميرو مارُنجو بيرّيا المتخصّص في علم اجتماع الأديان والباحث في «معهد التعدّديّة الدينيّة والإلحاد».

 icon-video-camera انظر الفيديو (معظمه بالفرنسية).

حيث إنّ الرسالة القرآنيّة تتمحور حول وحدانيّة الله، فهذا لا يكون إلّا بإبرازُ التنوّع الّذي أراده الله للبشريّة، ذلك التنوّع البشريّ في المجتمعات والطقوس والّذي يمكن أن يعبّر بحقٍّ عن ثراء الوحدانيّة الإلهيّة. ووراء الحوار الّذي يمكننا أن نتمّمه فيما بيننا، يكمُن حوار الله مع العالم.

لا يمكن أن يعبَّر عن هذا العمق الإلهيّ اللامتناهي بكلماتٍ بسيطة لا لَبْسَ فيها، ولذا فإنّ آيات القرآن غالبًا ما تأخذ شكل التناقضات حاملةً في الوقت ذاته تعبيراتٍ تبدو وكأنّها متناقضةٌ متعارضة مثل أنّ القرآن هو الحقيقة المطلقة، وفي الوقت ذاته الله وحده هو مَن يَعلَم المهتدين. أو مثل أنّ الإسلامَ هو الدين الأوحد عند الله، وفي الوقت ذاته يكون النبيّ محمّد هو الشفيع لكلّ الأمم في يوم القيامة.

ومن ثمّ، فإنّنا مدعوّون إلى إعادة النظر في تصوّراتنا حول ماهيّة الحقيقة، ليس باعتبارها مضمونًا أُحاديّ المعنى نفرضه على الآخرين، بل باعتبارها حقيقةً واقعيّة يلزم لكلّ فرد أن يتلقّاها، ويتّخذ إزاءها مواقفَ وخياراتٍ سوف تكون بالضرورة مختلفةً عن مواقف وخيارات الآخرين. لذا يدعو الإسلام الناس إلى أن يَمْضُوا قُدُمًا في هذا الطريق بلا خوفٍ، لأنّه حتمًا طريق ينتهي بهم إلى الله وإلى اتّخاذ خياراتهم هم في حوارهم مع بعضهم البعض.

ابن تيميّة ووجود الله

الأخ / أدريان كانديار

عضو المعهد الدومنيكيّ وطالب دكتوراه في الدراسات الإسلاميّة

icon-calendar الثلاثاء ٢٢ مايو ٢٠١٨

حسب الفيلسوف الألمانيّ مارتن هايدجر (١٨٨٩‒١٩٧٦) فإنّ فشل الميتافيزيقا في مشروعها راجعٌ بالأساس إلى الالتباس بين الله والوجود، ذلك الالتباس الّذي تحوّلتْ به الميتافيزيقا إلى لاهوتِ وجودٍ لا نفع له. هذا التصوّر ينطبق بلا شكّ على ابن سينا (ت ١٠٣٧/٤٢٨) الّذي يرى أنّ دليل وجود الله يستند إلى ضرورة انتهاء سلسلة الأسباب إلى سببٍ أوَّلَ لا سببَ له. فالله على ذلك هو الموجود الواجب الوجود الّذي لا سبب له في وجوده غيرُ نفسه.

يُعدّ هذا البرهانُ على وجود الله غيرَ مقبول عند ابن تيميّة (ت ١٣٢٨/٧٢٨) ليس لأنّ الأداة المنطقيّة متجذِّرةٌ في بنيته الاستدلاليّة فحسب، وهي الأداة البشريَّة التي تعجِزُ عن بلوغ حقيقة الله، بل لأنّ الأداة المنطقيَّة نفسَها لا تصلح إلّا داخل عالم المنطق المغلق، الّذي لا يمتلك قدرةً حقيقيّةً على التعبير عن حقيقة وجود الله.

من بين جميع ردود ابن تيميّة الفلسفيّة فإنّ ردّه على أبي يعقوب السجستانيّ (ت بعد ٩٧١/٣٦١) في درء تعارض العقل والنقل مشوّق بشكلٍ خاصّ. إذ ينتقد السجستانيُّ في كتابه المقاليد الملكوتيّة وصفَ ابنِ سينا لوجود الله بأنّه واجبٌ، لأنّ وصف وجود الله بالوجوب يقتضي التركيب في حقيقة الله من الوجود والوجوب وذلك يستلزم حدوث الله، وهو ممتنع. ينتقد ابن تيميّة موقف السجستانيّ لأنّه يستلزم المنعَ من وصف الله بالوجود والعدم على السواء، وفي ذلك رفعٌ للنقيضَين وهو ممتنعٌ بحسب قانون المنطق نفسه.

هذا التناقض بالنسبة لابن تيميّة يقوم على خطأ مشترك بين جميع الفلاسفة، هذا الخطأ مبنيٌّ على اعتقاد أنّ معنى الوجود متحقِّقٌ في الخارج كليًّا. إلا أنّ ابن تيميّة يرى أنّ الوجود معنًى كلّيٌّ شأنه في التحقّق شأن بقيّة الكلّيّات الّتي لا توجد إلّا في الأذهان ولا تتحقَّق خارجًا على هيئتها الكلّيّة. وعليه، يرى ابن تيميّة أنّه لا فائدة من الاعتماد في الاستدلال على وجود الله على طريقةٍ مفاهيميّة لا يمكنها أن تدُلَّ على وجودٍ فعليٍّ معيَّن. علينا بدلًا من ذلك أن نعتمد على طريقٍ مباشر. إنّ الإنسان يجد من نفسه بالضرورة إقرارًا بوجود الله، هذه الضرورة الداخليّة هي الفطرة. فالفطرة هي الهادية والدالّة على وجود الله، ولا حاجة إذن إلى استعمال المفاهيم الكلّيّة لإثبات وجود الله. أمّا إذا أنكر إنسانٌ وجود الله فلأنّه ببساطة ‒ عند ابن تيميّة ‒ مشوَّه الفطرة.

إنّ الإشكال مع هذه النظريّة الاسميّة لابن تيميّة هي عدم قابليّتها للنقد ومصادرتها على المخالف، إذ إنَّ كلّ مخالف لها ستكون مخالفته دليلًا على أنّ فطرته غير سويَّة.

نظريّة المعرفة والمجادلة الدينيّة عند ابن حزم الأندلسيّ

الأخ/ أدريان كانديار

طالب دكتوراه في الإسلاميّات، باريس

icon-calendar الأربعاء ١٥ يونيو ٢٠١٦

20160615_Seminaire_Adrien_Candiardتبدو نظريّة المعرفة عند المتكلّم والفقيه ابن حزم الأندلسيّ (٤٥٦هـ/١٠٦٤م) متناقضة من أوّل وهلة. فمن ناحية، هو مدافع متحمّس إلى اللجوء إلى العقل في المجادلات الدينيّة، ومن ناحية أخرى، يقرأ النصوص المقدّسة والمنقولة قراءةً حرفيّة.

في الحقيقة، يتبنّى ابن حزم نظريّة أرسطو للمعرفة، القائمة على بديهيّات وعلى الاكتشاف المنطقيّ للمعارف الجديدة بناءً على هذه البديهيّات. الاختلاف الجوهريّ مع نظريّة أرسطو تكمن في أنّ ابن حزم يعتبر النصوص المنزّلة كبديهيّات، ولا كمعارف يجب أن يختبرها العقل.

نتيجة هذه النظريّة للمعرفة هي أنّ البرهان هو العقل نفسه وليس الاستدلال، حيث لا يوجد اختلاف بعج ذلك بين الإيمان والمعرفة، بين الله وعلم الله، وبصورة أعمّ وأشمل بين العلم ومجرّد جمع المعلومات.

إذا كان غير المسلم أو المسلم الزنديق يرفض التبيّن المنطقيّ بحقيقة الإسلام، فهو لا يمكن إلّا أن يكون كاذبًا أو منافقًا، حسب نظريّة ابن حزم، لأنّ عقله عينه لازم يبيّن له أنّ الإسلام هو الحقيقة.

محمّد عبده (١٨٤۹–۱۹٠٥)، مؤرّج تدهور الثقافة الإسلاميّة

الأخ / أدريان كانديار

خرّيج مدرسة التربيّة العليا الفرنسيّة، باريس

icon-calendar ١٦ يونيو ٢٠١٥

Candiardفي الحقيقة يعتبر محمّد عبده أنّ الإسلام هو العقل والعقل هو الإسلام ويرى تعارض بين العقل الّذي هو الإسلام والتقليد لأنّه بالنسبة له التقليد عبارة عن مجرّد تكرار. وهو بذلك يتبنّى فكر عصر التنوير وادعاءه اكتشاف العقل الوحيد في الكون، متجاهلا تعدّدية أساليب التفكير.

الأخ/ أدريان كانديار

photo Libé1الأخ / أدريان كانديار فرنسيّ الجنسيّة ويعيش في مصر.

بعد دراسة التاريخ والعلوم السياسيّة، التحق برهبنة الدومنيكان عام ٢٠٠٦.

أكمل دراسته لللاهوت في مدينة ليون الفرنسيّة، وقد وصل إلى مصر في عام ٢٠١٢. درس اللغة العربيّة وحصل على درجة الماجستير في الدراسات الإسلاميّة من الجامعة الأمريكيّة بالقاهرة. يعمل الآن على رسالة الدكتوراه من المدرسة التطبيقيّة للدراسات العليا (باريس).

تقوم أبحاثه على دراسة علم الكلام في الإسلام في القرون الأولى وخصوصًا العلاقة بين العقل والوحي في الإسلام. وهو مؤلّف كتاب ما مصير التسامح؟ (باريس ٢٠١٤) حول التعدّديّة الدينيّة والأندلس، وكذلك كتاب فهم الإسلام (فلاماريون، ٢٠١٦)