وجهات نظر المسلمين حول الحوار بين الأديان

جمال جزوليّ وديني جريل وأوميرو مارُنجو بيرّيا

حلقة نقاش يديرها الأخ / أدريان كانديار، عضو المعهد الدومنيكيّ

في المعهد الفرنسيّ بالمنيرة

icon-calendar الجمعة ٣٠ نوفمبر ٢٠١٨

صحيحٌ أن الحوار بين الأديان ظلّ ولأمدٍ طويل مبادرةً من جانب المسيحيّين، إلّا أنّ العديد من الصيحات المسلمة كانتْ ذات صدًى مسموع، داعيةً إلى الكشف عن الأسس القرآنيّة والنبويّة للتلاقي مع غير المسلمين. وقد أدار الأخ أدريان كانديار، وهو طالب دكتوراه في الدراسات الإسلاميّة وعضو في المعهد، مناقشةً بين ثلاثةٍ من علماء المسلمين الناطقين بالفرنسيّة، وهم: جمال جزوليّ المتخصّص في القرآن ومدير معهد النور في مدينة سيرجي بونتواز الفرنسيّة، وديني جريل المتخصّص في التصوّف والأستاذ الفخريّ في جامعة إيكس مارسيليا، وأوميرو مارُنجو بيرّيا المتخصّص في علم اجتماع الأديان والباحث في «معهد التعدّديّة الدينيّة والإلحاد».

 icon-video-camera انظر الفيديو (معظمه بالفرنسية).

حيث إنّ الرسالة القرآنيّة تتمحور حول وحدانيّة الله، فهذا لا يكون إلّا بإبرازُ التنوّع الّذي أراده الله للبشريّة، ذلك التنوّع البشريّ في المجتمعات والطقوس والّذي يمكن أن يعبّر بحقٍّ عن ثراء الوحدانيّة الإلهيّة. ووراء الحوار الّذي يمكننا أن نتمّمه فيما بيننا، يكمُن حوار الله مع العالم.

لا يمكن أن يعبَّر عن هذا العمق الإلهيّ اللامتناهي بكلماتٍ بسيطة لا لَبْسَ فيها، ولذا فإنّ آيات القرآن غالبًا ما تأخذ شكل التناقضات حاملةً في الوقت ذاته تعبيراتٍ تبدو وكأنّها متناقضةٌ متعارضة مثل أنّ القرآن هو الحقيقة المطلقة، وفي الوقت ذاته الله وحده هو مَن يَعلَم المهتدين. أو مثل أنّ الإسلامَ هو الدين الأوحد عند الله، وفي الوقت ذاته يكون النبيّ محمّد هو الشفيع لكلّ الأمم في يوم القيامة.

ومن ثمّ، فإنّنا مدعوّون إلى إعادة النظر في تصوّراتنا حول ماهيّة الحقيقة، ليس باعتبارها مضمونًا أُحاديّ المعنى نفرضه على الآخرين، بل باعتبارها حقيقةً واقعيّة يلزم لكلّ فرد أن يتلقّاها، ويتّخذ إزاءها مواقفَ وخياراتٍ سوف تكون بالضرورة مختلفةً عن مواقف وخيارات الآخرين. لذا يدعو الإسلام الناس إلى أن يَمْضُوا قُدُمًا في هذا الطريق بلا خوفٍ، لأنّه حتمًا طريق ينتهي بهم إلى الله وإلى اتّخاذ خياراتهم هم في حوارهم مع بعضهم البعض.

ظاهرة التضخّم الاقتصاديّ في العصر المملوكيّ

أسامة السعدونيّ جميل

باحث دكتوراه بكلّيّة دار العلوم، جامعة القاهر

icon-calendar الثلاثاء ١٣ نوفمبر ٢٠١٨

يقوم الأستاذ أسامة السعدونيّ جميل بإعداد رسالة دكتوراه في كلّيّة دار العلوم حول موضوع التضخّم الاقتصاديّ في العصر المملوكيّ. لقد اختار الفترة من ١٣٩٧/٨٠٠ إلى ١٤٠٨/٨١٠ أيّ عشر سنوات من أجل دراسة الظواهر الاقتصاديّة الخاصّة بهذه الفترة بالمزيد من التفاصيل مثل دور الأطراف المختلفة (السلطان والتجّار وإلخ…) والتغيّرات الدقيقة في أسعار السلع الأساسيّة. يمثّل عام ١٤٠٣/٨٠٦‒١٤٠٤ بداية فترة زيادةٍ حادّة في الأسعار تصل إلى ٥٠٠٪ لمنتجاتٍ معيّنة. يساهم في تفسير هذه الظاهرة الفيضان المنخفض لنهر النيل والأوبئة وبعض القرارات السياسيّة المؤسفة. لم تتوقّف ظاهرة تضخّم الأسعار إلّا بعد تطبيق سياسة خفض الأسعار الّتي بادر بها السلطان المُؤيّد أبو النصر (ت ١٤٢١/٨٢٤) بعد وصوله للسلطة في عام ١٤١٢/٨١٥.

من سوق المدارس الليبراليّة إلى دراسة حركة المرور في مصر: عودة إلى مراحل بحثيّة

فريديريك أبيكاسيس

مدير الدراسات في المعهد الفرنسيّ للآثار الشرقيّة في القاهرة

icon-calendar الثلاثاء ١٦ أكتوبر ٢٠١٨

فريديريك أبيكاسيس هو مدير الدراسات الجديد في المعهد الفرنسيّ للآثار الشرقيّة في القاهرة. هذه الحلقة الدراسيّة كانتْ فرصةً له للعودة إلى مراحل بحثه المختلفة. منذ إقامته الأولى في مصر تناول فريديريك أبيكاسيس مواضيع بحثيّة قد تبدو غير متناسقة، مثل المدارس الدينيّة الخاصّة في مصر وحركة المرور في مصر والمغرب وظاهرة هجرة المسلمين واليهود في المغرب العربيّ، ولكنّ هذه المواضيع كلّها  تتعلّق بمسألة بناء الجماعات كحماية ضدّ تأثير الاقتصاد التجاريّ في المجتمع الليبراليّ.

يتمّ بناء الجماعات وتفكيكها من خلال ثلاثة عوامل وهي التضامن الاقتصاديّ (الأكثر غنًى يدعّم الأكثر فقرًا في المدارس الدينيّة)، ودلائل الانتماء والسلطة (كانتْ مثلًا الشرطة في خدمة أصحاب السيّارات وليس المشاه)، ورؤى مضادّة للتاريخ (بدأ اليهود في المغرب ينظرون لأنفسهم على أنّهم أجانب).

إذا اعتبرنا أنّ دراسة التاريخ لها فضائل علاجيّة فيجب إذًا على المؤرّخ أن يساعد كلّ أحد على تدوين تاريخ الجماعات الّتي ينتمي إليها أو الجماعات الّتي تركها.

اضغط هنا لمشاهدة الصور الّتي عُرضتْ خلال المحاضرة…

حضور الفارابيّ (ت ٩٥٠/٣٣٩) في الفكر الفلسفيّ الأندلسيّ

د. عزيز هلال

دكتوراه في الفلسفة العربيّة

icon-calendar الأربعاء ٣ أكتوبر ٢٠١٨

يدافع محمّد عابد الجابريّ (ت ٢٠١٠) بشدّة عن فكرة وجود قطيعة معرفيّة في الفكر الفلسفيّ بين المشرق والمغرب. يدّعي الجابريّ أنّ الفكر في المشرق غرق في الغنوصيّة بل في اللاعقلانية، لا سيّما مع ابن سينا (ت ١٠٣٧/٤٢٨). أمّا الفكر في الغرب الإسلاميّ فيرى أنّه يمثّل قمّة العقلانيّة في الفلسفة الإسلاميّة، خاصّةً مع ابن باجّة (ت ١١٣٩/٥٣٣) وابن رشد (ت ١١٩٨/٥٩٥). هذه الرؤية المبسّطة للغاية تغفل تأثير الفارابيّ (ت ٩٥٠/٣٣٩) في الأندلس. يتجلّى هذا التأثير بوضوح في الفلسفة السياسيّة لابن باجّة لا سيّما في رسالته تدبير المتوحّد، وفي تلخيص ابن رشد لكتاب الجمهوريّة لأفلاطون، وكذلك في رسالة حيّ بن يقظان  لابن طفيل (ت ١١٨٥/٥٨١). وبالرغم من أنّ ابن طفيل يتبنّى فلسفة ابن سينا في رسالته ولا يتردّد في إرسال نقدٍ لاذع للفارابيّ —نقدًا لا شيء يُبرّره— فليس بوسعنا إلاّ أن نؤكّد على وجود تطابق في الأفكار بين كتاب حيّ بن يقظان وفكر الفارابيّ. إنّ ابن طفيل مدينٌ بشدّة لفلسفة الفارابيّ السياسيّة، الأمر الّذي يجعل من الصعب فهم انتقاداته للمعلّم الثاني في مقدّمة رسالته حيّ بن يقظان.

ما أعاق استقبال أفكار الفارابيّ في الأندلس هو أنّه ظلّ يعتقد، كما كان هو الحال في المشرق، أنّ أرسطو هو المؤلّف الحقيقيّ لكتاب الأولوچيا، وهو في الواقع ترجمة جزئيّة لتاسوعات أفلوطين، ومن هنا جاءتْ محاولة الفارابيّ اليائسة للتوفيق بين هذا النصّ الأفلاطونيّ وبين ما يعرفه عن أرسطو. سيكشف ابن رشد عن أنّ صاحب الأثولوچيا لا يمكن أن يكون أرسطو. على سبيل المثال، وعلى عكس الفارابيّ، فإنّ ابن باجّة ثمّ ابن رشد تكلّما عن محايثة العقل الفعّال للإنسان، ففي رأيهما أنّ العقل الفعّال ليس متعاليًا ولا مفارقًا للإنسان كما كان يرى الفارابيّ بناءً على نظريّة الفيض الموروثة من الأفلاطونيّة الحديثة.

المبادئ اللاهوتيّة للحوار بين الأديان

چان مارك أڤيلين

أسقف مساعد بمرسيليا

رئيس مجلس العلاقات بين الأديان لأساقفة فرنسا

icon-calendar الأربعاء ١٢ سبتمبر ٢٠١٨

استمع إلى المحاضرة (بالفرنسيّة):

يشمل الحوار بين الأديان واقعين مختلفين للغايّة: ما ترغب السلطات المدنيّة في أن تحقّقه الأديانُ من أجل المزيد من السلام الاجتماعيّ وفي نفس الوقت الطريقة الّتي يعامل بها المؤمنون المؤمنين من الديانات الأخرى وذلك باسم عقيدتهم. إنّ الحدّ من الحوار إلى البُعد الأوّل يخاطر بتخدير الوعي الدينيّ والوعي النقديّ للأديان تجاه هذه السلطات المدنيّة نفسها والأهمّ من ذلك هو خطر تخلّي الأديان عن هذا الحوار والاعتماد فقط على السلطات العامّة لتنظيم الحوار بينها.

إن موقف المسيحيّين من المؤمنين من الديانات الأخرى قد تأثّر بعمق بعلاقتهم باليهوديّة. وعلى العكس من كلّ الإغراءات المرقيونيّة من أجل «تطهير» المسيحيّة من العناصر اليهوديّة الّتي تحتوي عليها، تعترف الكنيسة الكاثوليكيّة بأنّ هويّتها مرتبطة في الأساس باليهوديّة. وقد ورد ذلك بوضوح في بيان المجمع الڤاتيكانيّ Nostra ætate عام ١٩٦٥.

بالإضافة إلى أنّ البابا بولس السادس عرض في رسالته العامّة Ecclesiam suam عام ١٩٦٤ مفهومًا متجدّدًا للوحي بأنّه «حوارٌ خلاصيّ» (colloquium salutis) بين الله والإنسانيّة. يشّجع إذًا بيان المجمع الڤاتيكانيّ Nostra ætate على البحث عن كلّ ما هو حقيقيّ ومقدّس في الديانات الأخرى من خلال حوارٍ صادق ولائق مع المؤمنين من الديانات الأخرى.

اختتم المطران أڤيلين مداخلته بعرض تحدّيين لاهوتيّين رئيسيّين لأولئك الّذين وافقوا على الخوض في هذه المغامرة الروحيّة والفكريّة الصعبة.  التحدّي الأوّل هو التعمّق في لاهوت الروح القدس لنا والّذي قال عنه البابا يوحنّا بولس الثاني في الرسالة العامّة Redemptoris missio عام ١٩٩٠ أنّه حاضرٌ ليس فقط في قلوب البشر إنّما حاضرٌ وفعّالٌ أيضًا في المجتمعات والثقافات والأديان. التحدّي الثاني هو فهم رسالة الكنيسة على أنّها مشاركةٌ بين عمل الروح القدس الّذي يتابع «الحوار الخلاصيّ» وهو الوحي. لذا يجب على الكنيسة أن تدرك أنّها ليستْ منظّمة خيريّة أو أنّها شركة تجاريّة تهدف إلى نموّها بل إنّها تهدف إلى خدمة الحوار بين الله والعالم أجمع.

ابن تيميّة ووجود الله

الأخ / أدريان كانديار

عضو المعهد الدومنيكيّ وطالب دكتوراه في الدراسات الإسلاميّة

icon-calendar الثلاثاء ٢٢ مايو ٢٠١٨

حسب الفيلسوف الألمانيّ مارتن هايدجر (١٨٨٩‒١٩٧٦) فإنّ فشل الميتافيزيقا في مشروعها راجعٌ بالأساس إلى الالتباس بين الله والوجود، ذلك الالتباس الّذي تحوّلتْ به الميتافيزيقا إلى لاهوتِ وجودٍ لا نفع له. هذا التصوّر ينطبق بلا شكّ على ابن سينا (ت ١٠٣٧/٤٢٨) الّذي يرى أنّ دليل وجود الله يستند إلى ضرورة انتهاء سلسلة الأسباب إلى سببٍ أوَّلَ لا سببَ له. فالله على ذلك هو الموجود الواجب الوجود الّذي لا سبب له في وجوده غيرُ نفسه.

يُعدّ هذا البرهانُ على وجود الله غيرَ مقبول عند ابن تيميّة (ت ١٣٢٨/٧٢٨) ليس لأنّ الأداة المنطقيّة متجذِّرةٌ في بنيته الاستدلاليّة فحسب، وهي الأداة البشريَّة التي تعجِزُ عن بلوغ حقيقة الله، بل لأنّ الأداة المنطقيَّة نفسَها لا تصلح إلّا داخل عالم المنطق المغلق، الّذي لا يمتلك قدرةً حقيقيّةً على التعبير عن حقيقة وجود الله.

من بين جميع ردود ابن تيميّة الفلسفيّة فإنّ ردّه على أبي يعقوب السجستانيّ (ت بعد ٩٧١/٣٦١) في درء تعارض العقل والنقل مشوّق بشكلٍ خاصّ. إذ ينتقد السجستانيُّ في كتابه المقاليد الملكوتيّة وصفَ ابنِ سينا لوجود الله بأنّه واجبٌ، لأنّ وصف وجود الله بالوجوب يقتضي التركيب في حقيقة الله من الوجود والوجوب وذلك يستلزم حدوث الله، وهو ممتنع. ينتقد ابن تيميّة موقف السجستانيّ لأنّه يستلزم المنعَ من وصف الله بالوجود والعدم على السواء، وفي ذلك رفعٌ للنقيضَين وهو ممتنعٌ بحسب قانون المنطق نفسه.

هذا التناقض بالنسبة لابن تيميّة يقوم على خطأ مشترك بين جميع الفلاسفة، هذا الخطأ مبنيٌّ على اعتقاد أنّ معنى الوجود متحقِّقٌ في الخارج كليًّا. إلا أنّ ابن تيميّة يرى أنّ الوجود معنًى كلّيٌّ شأنه في التحقّق شأن بقيّة الكلّيّات الّتي لا توجد إلّا في الأذهان ولا تتحقَّق خارجًا على هيئتها الكلّيّة. وعليه، يرى ابن تيميّة أنّه لا فائدة من الاعتماد في الاستدلال على وجود الله على طريقةٍ مفاهيميّة لا يمكنها أن تدُلَّ على وجودٍ فعليٍّ معيَّن. علينا بدلًا من ذلك أن نعتمد على طريقٍ مباشر. إنّ الإنسان يجد من نفسه بالضرورة إقرارًا بوجود الله، هذه الضرورة الداخليّة هي الفطرة. فالفطرة هي الهادية والدالّة على وجود الله، ولا حاجة إذن إلى استعمال المفاهيم الكلّيّة لإثبات وجود الله. أمّا إذا أنكر إنسانٌ وجود الله فلأنّه ببساطة ‒ عند ابن تيميّة ‒ مشوَّه الفطرة.

إنّ الإشكال مع هذه النظريّة الاسميّة لابن تيميّة هي عدم قابليّتها للنقد ومصادرتها على المخالف، إذ إنَّ كلّ مخالف لها ستكون مخالفته دليلًا على أنّ فطرته غير سويَّة.

التقدّم الروحيّ والتقدّم الفكريّ

ندوة مشتركة بين جامعة الأزهر الشريف والمعهد

icon-calendar الأثنين ٧ مايو ٢٠١٨

في يوم ٧ مايو عُقد لقاءٌ جديد من اللقاءات المشتركة بيننا وبين جامعة الأزهر الشريف وذلك في كلّيّة اللغات والترجمة (بنين). تناولنا أثناء هذا اللقاء موضوع «الإيمان والعقل» من خلال التعليق على نصٍّ للداعية المصريّ الشهير محمّد الغزّاليّ (١٩١٧‒١٩٩٦) ركائز الإيمان بين العقل والقلب، ١٩٧٤. وعنوان الفصل الّذي قمنا بدراسته هو «التفاوت بين التقدّم الروحيّ والتقدّم الفكريّ».

في هذا الفصل، يدعو الكاتب أوّلًا إلى تديّنٍ لا يضرّ بالإنسان وتقدّمه. ثمّ يقوم بوصف العالَم المعاصر الّذي ضاع في مادّيّةٍ عقيمة وعقلانيّةٍ ضالّة بعيدة عن الإيمان بالله ثمّ يعترض على أنّ اليهوديّة أو المسيحيّة أو الإسلام استطاعتْ تقديم إجابات مقنعة اليوم حول التوازن الروحيّ للإنسان. يختتم الكاتب بدعوة إلى التطبيق إسلامٍ حقيقيّ أكثر يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر.

قام المتكلّمون الثلاثة بعرض جوانب متعدّدة للنصّ: ناقش الأخ / چون درويل البناء الأدبيّ للنصّ تمّ أوضحتْ الأستاذة / هبة محروس كيف أنّ رؤية المؤلّف كانتْ جزءًا من سياقٍ إسلاميّ أوسع ثمّ أوضح الأستاذ / أحمد الشمليّ مكانة هذا الفصل في الكتاب ككلّ.

أثارتْ المناقشة الّتي تبعتْ المداخلات الثلاثة الأسئلةَ التالية: هل يمكن أن يكون نصٌّ ذو طابعٍ دفاعيّ أفضلَ مدخل لمناقشةٍ فلسفيّة وعقائديّة؟ كيفيّة تناول التعميمات الّتي تميّز الأسلوب الأدبيّ للوعظ؟ كيفيّة تقييم استخدام العلوم الإنسانيّة داخل النصّ؟ مجرّد رجوع الكاتب إلى مفكّرين غير مسلمين (آرنولد توينبي وألكسي كاريل) يعدّ دليلًا على الانفتاح في حدّ ذاته ولكنّ على مستوى صياغة النصّ، يبدو أنّ المؤلّف لا يعطي أهمّيّة للعلوم الإنسانيّة لمعرفة من هو الإنسان وأنّه من الأفضل أن يثق في الله لتحقيق هذه المعرفة. أخيرًا يبدو أنّ الكاتب يعتبر ببساطة أن «العقل» هو «الإسلام» و«الإسلام» هو «العقل» فمن الطبيعيّ أن يؤدّي ذلك إلى تلاشي التناقض ما بين العقل والإيمان. نتيجةٌ أخرى لاعتبار أنّ «الإسلام» هو «العقل» هي رفض أن تكون الأديان الأخرى عقلانيّة.

أخيرًا يُعدّ إقرار الإمام الغزّاليّ بضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غامضًا للغايّة لأنّه لا يبالي مطلقًا بالتأكيد على صعوبة التمييز بين الخير والشرّ في حالاتٍ محدّدة.

رواية الشعر: من السياسة إلى التأريخ

نوعمي لوكا

طالبة دكتوراه في جامعة باريس بانتيون-سوربون

icon-calendar الأثنين ٣٠ أبريل  ٢٠١٨

روى أحمد بن يحيى البلاذري (ت ٨٩٢/٢٧٩) في كتابه أنساب الأشراف قصّة حفر تهر المبارك على يد والي العراق خالد بن عبد الله القسريّ (ت ٧٤٣/١٢٦) والّذي أشاد به الشاعر الفرزدق (ت ٧٢٨/١١٠؟) ثمّ هزأ به بعد ذلك لعدم مكافأته على مديحه الأوّل. سُجن الفرزدق بسبب هذا الهجاء ثمّ أطلق سراحه أخيرًا الخليفة هشام بن عبد المالك (حكم ١٠٥‒١٢٥ / ٧٢٤‒٧٤٣) بعد أن قال فيه شعرًا يمدحه.

يتضمن نصّ البلاذري أبيات الفرزدق المذكورة أعلاه في روايته التاريخيّة. فما علاقة النصّ بالأبيات؟ هل الأبيات مجر​ّ​د تمثيل للنصّ يمكن الاستغناء عنها أم هي المتن الّذي يقصد أصلًا البلاذري شرحه من خلال النصّ؟

وممّا يدعم هذا الانطباع، على سبيل المثال، أنّ السياق الّذي يعطيه أبو الفرج الأصفهاني (ت بعد ٩٧٢/٣٦٢) لنفس الأبيات في كتابه الأغاني يختلف تمامًا عن رواية البلاذريّ.

تكمن الحقيقة بين هاتين الرؤيتين المتطرّفتين، الأبيات كتوضيحٍ أم الأبيات كمتن. يلعب الشعر دورًا رئيسيًّا في ثقافة ما قبل الإسلام ثمّ في الإسلام. فالشعر يعظّم شخصًا ما​ أو يشو​ّ​ه صورته​. الشعر يسجّل الأحداث ويدوّن التاريخ ويعتمد على سلطة ​شعراء مرهوبين ​ومحترمين في آن​ٍ​ واحد ​كما أنّ للشعر دورًا جماليّا…

بعبارة​ٍ​ أخرى، الأبيات والنصّ يكوّنان معًا روايةً واحدة وعلى الباحث أن يأخذ الاثنين في عين الاعتبار عند قراءة هذه المصادر التاريخيّة وتفسيرها.

التفاعلات بين الشيعة الاثني عشريّة والمسيحيّين: تاريخ وعقيدة وأدب

icon-calendar ١١‒١٣ أبريل ٢٠١٨

نظّم المعهد الدومنيكيّ بالشراكة مع معهد علوم الأديان ولاهوتها في باريس ومجموعة من الباحثين المتخصّصين في تاريخ التبشير ندوةً في الفترة من ١١ إلى ١٣ أبريل حول موضوع «التفاعلات بين الشيعة الاثني عشريّة والمسيحيّين» بدعم من «جمعيّة أصدقاء المعهد» والمؤسّسة الكاثوليكيّة الفرنسيّة «خدمة الشرق». وقد شارك في هذه الندوة العديد من كبار المتخصّصين، بما في ذلك الأستاذ رودي ماتي والأستاذ فرانسيس ريشار. كما شارك وفدٌ من العلماء جاؤا من العراق ومن دار العلم للإمام الخوئيّ.

ومع تركيز الاهتمام على التفاعلات، هدفتْ هذه الندوة إلى استكشاف الرحالات، وكتابات المبشّرين، والنصوص الدينيّة، وتقارير السفارات والمخطوطات، من أجل التساؤل حول طبيعة النظرة للآخر وأنواع التبادل والعلاقات بين الجماعات. تناولتْ الندوة أيضًا مسألة الكشف عن تطّور الهويّات بفضل هذه التفاعلات في سياقات سياسيّة متعدّدة وفقًا للفترات الزمنيّة.

لقد أثبتنا وجود العديد من عمليّات النقل الّتي أُمكن تحقيقها ليس فقط بسبب الضرورة الدينيّة للشيعة، ولكن أيضًا بسبب التقارب الدينيّ والروحيّ المتعلّق بفلسفة الفداء وافتتان الشيعة بمفهوم الله كمحبة. كما تمّ مناقشة الحجج الاقتصاديّة، لأنّ غياب الدعم من أوروبّا أجبر الجماعات التبشيريّة الرهبانيّة على التبادل التجاريّ والاقتصاديّ في العالم الّذي كانتْ تعيش فيه وفي بعض الأحيان على حساب كسر القواعد الخاصّة بهذه الجماعات. كما أنّ المسائل السياسيّة لعبتْ دورها فالتنافس بين العثمانيّين والمغول والصفويّين تطلّب التحالف مع المسيحيّين الأمر الذّي أدّى إلى الصداقة وتقدير الآخر. كما ناقشتنا ليس فقط فضول الشيعة تجاه المسيحيّة بل تعاطفهم وشغفهم بها.

لكن، وبعيدًا عن أيّ رغبة في إضفاء طابع مثاليّ على الماضي، شهد التاريخ أيضًا وجهات نظر أخرى منحازة وأخرى سلبيّة في بعض الأحيان فمن الناحية التاريخيّة طالب بعض العلماء في فترات تاريخيّة معيّنة بتهجير المسيحيّين أو اعتناقهم الإسلام. أشرنا مرارًا وتكرارًا إلى الحالة المأساويًة للأرمن وهيمنة الجدالات. انتشرتْ كتب الجدالات، سواء كانتْ هذه الجدالات حقيقيّة أو خياليّة، خارج الإمبراطوريّة وانتشرتْ معها حجج ادعائيّة خرجتْ عن السياق التاريخيّ في تلك الفترة. في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديّين، تمّ إضفاء طابع سياسيّ وعدوانيّ أيضًا على تلك الجدالات بمعنى أنّها كانتْ بناءً على طلبٍ من الدولة ممّا يشهد على تسييس العلاقات بين الشيعة والمسحيّين.

ناقشنا أيضًا موضوع الأنشطة التبشيريّة المسيحيّة والّتي تختلف طبيعتها حسب الرهبانيّة الّتي تنظّمها مثل الفرنسيسكان والكرمليّين واليسوعيّين.  في مواجهة عدم اعتناق المسلمين للمسيحيّة، تساءل المبشّرون حول عدّة نقاط وهي: تكوينهم الدينيّ، وحاجتهم إلى تطوير حجج جديدة، ودور الّذين اعتنقوا المسيحيّة في التبشير، والأقاليم الّتي لها أولويّة، والاستناد على المتصوّفين والتراث الشعريّ الفارسيّ…

يبدو التبادل الثقافيّ والروحيّ والدينيّ واضحًا على بعض المستويات وهي: التشفّع بالقديسين، التأثر بالفن، كما لاحظنا كتابة قول «بسم الآب والابن والروح القدس» في نسخ الإنجيل على مثال البسملة…

وأخيرًا، هل سمحتْ هذه التبادلات والتفاعلات بمعرفة الآخر بشكلٍ أفضل؟ بالتأكيد نعم ولكنّ تقارير المبشّرين والرحلات والأعمال الدينيّة غالبًا ما تكشف عن معرفة منحازة بغض النظر عن الرغبة في جعل الآخر معروفًا بطريقة أفضل.

سوف تُنشر أعمال هذه الندوة في مجلّة المعهد عدد ٣٥ (٢٠٢٠).

نظريّة ابن تيميّة في المعرفة

ندوة مشتركة بين جامعة الأزهر الشريف والمعهد

icon-calendar الخميس ٢٢ مارس ٢٠١٨

اخترنا في هذه الجلسة الجديدة من الندوة المشتركة بين المعهد وجامعة الأزهر الشريف التعليق على نفس النصّ، من أجل إبراز عمليّة التفسير والمقارنة بين منهج كلّ منّا. فقد اخترنا مقطعًا من نصٍّ لابن تيميّة علّق عليه ثلاثةُ باحثين: الأخ / أدريان كانديار، عضو المعهد، والسيّدة / هبة الزفتاويّ، أستاذ مساعد، والسيّد / زياد فاروق، أستاذ بالكلّيّة.

يُعدّ ابن تيميّة (ت ١٣٢٨/٧٢٨) كاتبًا مُكثِر للغاية وقد قضى حياته في كتابة رسائل وفتاوى هاجم من خلالها بقسوةٍ علماء عصره وبالأخصّ الشيعة والمسيحيّين والصوفيّين من مدرسة ابن عربيّ (ت ١٢٤٠/٦٣٨). إنّ ابن تيميّة، ذلك الرجل ذو الذكاء الحادّ، ينتقد التراث الإسلاميّ التقليديّ لأنّه لم يصل لأيّة نتيجة يقينيّة متعلّقة بمعرفة الله لكنّه وصل فقط إلى الخصومات والتعصّب المذهبيّ والأوهام حول المعرفة الإلهية.

يعرض ابن تيميّة في المقدّمة التمهيديّة المطوّلة لكتابه درء تعارض العقل والنقل مبرّرًا لإمكانية وصول العقل البشريّ إلى المعرفة الإلهية بطريقة سليمة، كما يعرض فيه منهجًا عقلانيّا حتّى لا يضلّ الطريق. يتميّز ابن تيميّة كذلك وفي آنٍ واحد عن الأشاعرة ويمثّلهم فخر الدين الرازيّ (ت ١٢٠٩/٦٠٦) والّذين يعطون الكلمة الأخيرة للعقل، وكذلك يتميّز عن الحنابلة الّذين هو نفسه تلميذٌ لهم ويمثّلهم ابن قدامة (ت ١٢٢٣/٦٢٠) والّذين يعطون الكلمة الأخيرة للنقل، وذلك لأنّ ابن تيميّة ينتقد فكرة حصر اختيار الناظر في واحدٍ من الاثنين، إذ العقل والنقل الموحَى به لا يتعارضان في ذاتيهما، بل هما معبّران معًا عن الحقيقة الإلهية.

ويستند هذا الأسلوب المعرفيّ الّذي اكتشفه ابن تيميّة إلى المبدأ القائل بأنّ الشيء الوحيد المؤكّد والحقيقيّ هو الله نفسه، فطريق الوصول إلى المعرفة الإلهية هو الوحي المخاطَب به العقل البشريّ. وإذا كان حقيقة الذات الإلهية تفوق المقدرة العقليّة البشريّة فإنّ طرائق القياس المنطقيّ لن تكون صالحة في هذا الباب برمّته مثل «القياس الشموليّ» و«القياس التمثيليّ»،

لكن ابن تيميّة يعتمد على طريقة «قياس الأولى» وهو قياس وجد ابن تيميّة أصوله واستخداماته في القرآن والسنّة في باب المعرفة الإلهية، وبقياس الأولى يكون كلّ كمال لا نقص فيه بوجهٍ من الوجوه فالله أولى أن يتّصف به. وبذلك يتجاوز ابن تيميّة جدل ثنائيّة التنزيه والتشبيه في الصفات الإلهيّة.

والأهمّ من ذلك أنّ ابن تيميّة يرفض أيّ تفكير قد يكون لعبةً منطقيّة لغويّة فقط. فيرى أنّ الانطلاقَ من نصّ موحى به أيّ القرآن الكريم والحديث الشريف هو السبيل الأصوب، وذلك من أجل بناء تفكيرٍ منطقيّ. بعباراتٍ أخرى، إنّ ابن تيميّة لفظيّ، يرفض الخلط بين الحقائق العقليّة والواقع، وينتقد علماء الكلام، من الأشاعرة والحنابلة على السواء، لأنّهم يعتقدون أنّ ثمار استنتاجاتهم تعبّر عن بعض الحقائق عن الله. من الناحية العمليّة، يمكن القول إنّ ابن تيميّة يقوم بقياسٍ مبني على النصّ الموحى به وليس على الحقائق «المطلقة» الّتي وضعها العقل البشريّ.

أكدّتْ المداخلات الثلاث على نقاطٍ مختلفة تاريخيّة كانتْ أم عقائديّة. وأوضحتْ المناقشة أنّ الأشعريّة هي المدرسة الرسميّة لعلم الكلام الّتي يتبعها الأزهر الشريف. وقد تطوّرتْ هذه المدرسة بحيث لم تعُد انتقادات ابن تيميّة في القرن الثامن الهجريّ/الرابع عشر الميلاديّ مناسبةً لها اليوم. من ناحيةٍ أخرى، يتمّ تدريس جميع مدارس علم الكلام في الجامعة في كلّيّة أصول الدين وليس فقط المدرسة الأشعريّة.

المسألة الّتي ختمنا بها النقاش هي مكانة الإيمان بين العقل والنقل. وهو ما سيكون موضوع اجتماعنا القادم في نهاية شهر أبريل إن شاء الله.