التقارير

مميز

يقدّم المعهد ندوات ومؤتمرات:

  1. ندوة عامّ مُخصّص للتراث العربيّ الإسلاميّ. يتمّ عقد ما يقرب من جلستين خلال الشهر سواءٌ باللغة العربيّة أو الفرنسيّة أو الإنجليزيّة. الحضور مجّانيّ ومفتوح للجميع. اضغط هنا للتسجيل وتلقّي الإعلانات. اضغط هنا لقراءة تقارير الجلسات السابقة.
  2. ندوة «لوي ماسينيون» للبحث العلميّ مخصّص لأعضاء المعهد.
  3. مؤتمرات دوليّة، في القاهرة أو خارج مصر، والّتي يتمّ نشر أعمالها في مجلّة المعهد. اضغط هنا لقراءة تقارير هذه الندوات.
  4. منذ عام ٢٠١٨، يشارك المعهد أيضًا في تنظيم البرنامج الشهريّ لندوات «ميدان المنيرة»، إلى جانب المعهد الفرنسيّ، ومركز الدراسات الاقتصاديّة والوثائقيّة والقانونيّة والاجتماعيّة، والمعهد الفرنسيّ للآثار. اضغط هنا لقراءة تقارير الندوات الّتي اقترحها المعهد.

مصحف الملك فؤاد عام ١٩٢٤: النصّ والتاريخ والتحدّيات

المؤتمر الرابع للمعهد الدومنيكيّ للدراسات الشرقيّة بالقاهرة يومي ١٦ و١٧ أكتوبر ٢٠٢١

اللجنة العلميّة: د. عمر عليّ دي أُونثاغا (معهد الدراسات الإسماعيليّة في لندن)، د. عزيز هلال (المعهد الدومنيكيّ بالقاهرة)، د. داڤيدسون ماكلارين (المكنز الإسلاميّ في إسطنبول)، د. أحمد وجيه (المعهد الدومنيكيّ بالقاهرة).

منسّقة المؤتمر: د. أسماء الهلالي (جامعة مدينة ليل الفرنسيّة).

شاهدوا مداخلات يوم السبت ١٦ أكتوبر

تحت رعاية المعهد الدومنيكيّ للدراسات الشرقيّة، وفي إطار مشروع «أدوات»، عُقد مؤتمرٌ دوليّ في مقرّ الجامعة الأمريكيّة بالقاهرة حول «مصحف الملك فؤاد عام ١٩٢٤» وذلك للتمييز بينه وبين «مصحف الملك فهد» المعروف أيضًا باسم «مصحف المدينة» (١٩٨٥). بإشرافٍ علميّ من قبل الدكتورة أسماء الهلاليّ (جامعة مدينة ليل الفرنسيّة) وبالتعاون مع المجلس العلميّ المكوّن من د. عمر عليّ دي أُونثاغا (معهد الدراسات الإسماعيليّة في لندن)، د. عزيز هلال (المعهد الدومنيكيّ بالقاهرة)، د. داڤيدسون ماكلارين (المكنز الإسلاميّ في إسطنبول)، ود. أحمد وجيه (المعهد الدومنيكيّ بالقاهرة)، هَدَفَ المؤتمر إلى طرح أوّل تقييمٍ علميٍّ ودراسة سياقيّة وتاريخيّة لطبعة مصحف الملك فؤاد عام ١٩٢٤، والّتي لم تحظ حتّى ذلك الحين بحدثٍ علميّ مثل هذا.

حصر أوليّ للمصاحف

قام د. محمّد حسن، الباحث في مركز دراسات الكتابات والخطوط التابع لمكتبة الإسكندريّة، بحصر المصاحف الّتي كانتْ موجودة قبل مصحف الملك فؤاد عام ١٩٢٤. حيث تظلّ معظم هذه المصاحف متجزّئة ولا يُعرف خطّاطوها ولا نُسّاخها. ومن بين كلّ هذه المصاحف الّتي تدلّ على تراجع المصاحف المخطوطة، يُعدّ مصحف رضوان محمّد المخلّلاتيّ (١٨٣٤‒١٨٩٣) الأفضل من نوعه من حيث الخطّ والتصميم. وبالرغم من ذلك، لم ينجُ من أوجه القصور الموجودة في مصاحف أخرى مطبوعة مثل: رداءة ورق الطباعة ممّا يضرّ بالحفاظ الجيّد للمصحف على المدى الطويل؛ أخطاء متنوّعة ومتعدّدة؛ غياب علامات الترقيم بالإضافة إلى غياب العلامات الضروريّة من أجل التجويد بنوعيّةٍ حسنة؛ غياب علامات السجدة؛ إلخ. وجديرٌ بالذكر أنّه على الرغم من عيوب هذه المصاحف لكنّها ساهمتْ في توحيد نموذجٍ للمصحف المطبوع الّذي لن يكون مصحف الملك فؤاد إلّا امتدادًا له.

ثمّ اقترح د. أحمد منصور، الباحث في المركز نفسه، فَحْص مصحف نُشر في مطبعة بولاق في مصر عام ١٨٨١. وكانتْ هذه فرصةً بالنسبة للباحث من أجل الرجوع إلى تاريخ الطبعات الأوروبّيّة والغربيّة من القرآن مثل مصحف البندقيّة ومصحف فلوجل ومصحف قازان… إلخ. والرجوع أيضًا لأوّل أنشطة دار نشر بولاق الّتي أسّسها محمّد عليّ عام ١٨٢٠. ويبدو أنّ المصحف الّذي قام بعرضه الباحث قد استفاد من جميع المصاحف السابقة، لكنّه اتّبع الرسم الإملائيّ وليس الرسم العثمانيّ المنسوب إلى الخليفة عثمان بن عفّان، بينما كان هذا هو الوضع منذ القرن الأوّل الهجريّ/السابع الميلاديّ. في النهاية، نلاحظ أنّ هذا المصحف غير مكتمل ولا يذكر أسماء السور.

من هو جمهور هذه الطبعة في العالم الإسلاميّ؟

تكلّم د. عليّ أكبر، الباحث في بيت القرآن بمدينة چاكرتا الإندونيسيّة، في مداخلته عن مكانة مصحف الملك فؤاد بين المصاحف المطبوعة في إندونيسيا في نهاية القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديّين. وأشار إلى أنّ أقدم طبعة حجريّة من القرآن تعود لعام ١٨٤٨ وتأتي من مدينة فلمبان في جنوب جزيرة سومطرة. وقد وصلتْ إلى إندونيسيا طبعاتٌ أخرى من المصاحف قبل هذا التاريخ بما في ذلك طبعةٌ هنديّة. أشار الباحث عليّ أكبر أنّ مصحف الملك فؤاد استُخدِم في إندونيسيا ودخلها على يد الإندونيسيّين الّذين درسوا في القاهرة، إلّا أنّه لم يكن واسع الانتشار.

في صباح يوم الأحد ١٧ أكتوبر عُقدتْ الجلسة الثانية بقيادة الأستاذ/ ميكال ماركس، باحث في أكاديميّة برلين براندنبورغ للعلوم. قام د. نجم الدين جوكّير، من جامعة إسطنبول، بالمداخلة الأولى وكانتْ حول موضوع استقبال مصحف الملك فؤاد في تركيا وتصوّره فيما بعد العصر العثمانيّ. أشار الباحث نجم الدين جوكّير إلى أنّ استقبال هذا المصحف كان متفاوتًا؛ حيث إنّ الطبعة الأولى من المصحف العثمانيّ ظهرتْ في عام ١٨٧٤ ووُزِّعتْ على نطاقٍ واسع في العالم الّذي سيطر عليه العثمانيّون في تلك الفترة بما في ذلك مصر. لذلك وجدتْ السلطات الدينيّة التركيّة صعوبةً في تقبّل هذا المصحف الجديد على الرغم من أنّهم وجدوا فيه أسلوبهم الخاصّ وطرزهم في الخطّ. لكنّهم رأوا في مشروع الملك فؤاد مجرّد محاولةً لمعارضة سطوة السلطة الدينيّة التركيّة على العالم الإسلاميّ.

من أين يأتي نجاح طبعة الملك فؤاد في العالم العربيّ؟

قام الباحث ميكال ماركس بتقديم طبعة مصحف الملك فؤاد من منظورٍ تاريخيّ، وأوضح أنّه منذ عام ١٩٥٠ أصبح هذا المصحف المرجع الأساسيّ للباحثين والأكاديميّين الأوروبّيّين، قبل أن تقلّ أهمّيّته بسبب مصحف الملك فهد. ارتبطتْ مصاحف «قوميةّ» بهذين المصحفين «المعياريّين»، إمّا لخدمة أهداف تعليميّة أو شعائريّة، أو لتمجيد الدول والمؤسّسات الدينيّة، وذلك بفضل طبعاتٍ رائعة وباهرة.

أوضحتْ مداخلة د. فيليپ بروكماير، من جامعة ڤيينا النمساويّة، أنّ طبعة القاهرة كان لها تأثيرٌ على العالم الإسلاميّ الناطق بالعربيّة بأكمله، وذلك بفضل طبعة مصحف الملك فهد الّتي عُرفتْ أيضًا باسم «مصحف المدينة» والّتي بادر بها الملك السعوديّ فهد بن عبد العزيز في عام ١٩٨٥. على عكس الاعتقاد السائد، إذا كان لطبعة القاهرة لعام ١٩٢٤صدًى ضئيل في العالم العربيّ الإسلاميّ، فإنّها انتشرتْ عن طريق طبعة المدينة الّتي تُعدّ نهبًا للطبعة القاهريّة لعام ١٩٢٤ ومحاكاتها بالكامل باستثناء حرفين ليس أكثر. مصحف المدينة هذا يندرج ضمن مشروعٍ أكبر، وهو تأكيد المكانة المركزيّة للمملكة العربيّة السعوديّة في العالم الإسلاميّ من خلال ترجمة القرآن إلى حوالي ثمانين لغةً، والعمل على زيادة تأثير الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المُنوّرة على حساب الأزهر.

اللواحق

في مداخلةٍ ثانية تناول د. محمّد حسن مسألة اللواحق في المصاحف المطبوعة المختلفة ودور مصحف الملك فؤاد في توحيد نموذج لهذه اللواحق. كان أوّل من كتب ملحقًا لمصحفه هو رضوان المخلّلاتيّ. وقد حدّد مُلحقه الّذي تناول ختم القرآن مكان الطباعة وتاريخها واسم الناسخ والرسم المُستخدَم (الرسم العثمانيّ في هذه الحالة) وعدد آيات كلّ سورةٍ وما إلى ذلك. هذا التقليد سوف يؤيّده ويثريه مصحف الملك فؤاد الّذي سيضيف تفاصيل حول الناسخ والمنسوخ، وأسباب نزول القرآن، والقراءات السبع. في نهاية هذه المداخلة المشوّقة يبقى سؤالٌ دون إجابة، وهو: من أين تستمدّ هذه اللواحق شرعيّتها؟

طبعة أزهريّة رسميّة؟

طرح د. عزيز هلال في مداخلته السؤال الأساسيّ: لمَ الانتظار حتّى عام ١٩٢٤ من أجل طباعة نسخةٍ رسميّة من القرآن من قبل الأزهر؟ لقد بدأتْ ظاهرة الطباعة في مصر عام ١٨٢٣. هذا المنتج من أصول أوروبّيّة قد أثار شكوك المسلمين الّذين رفضوا في البداية أنّ «كلمة الله» تُلطّخ بتقنيّة الطباعة. محمّد عليّ، الّذي لم يكن يريد مواجهةً أخرى مع الأزهر، لم يفعل أيّ شيءٍ ملحوظ من شأنه التصدّي للفتاوى العثمانيّة الّتي تحرّم طباعةَ للقرآن. أمّا مصحف الملك فؤاد، فينبغي ألّا تُخفي أهمّيّته رغبة الأزهر في جَعل هذا الملك «خليفةً بدلًا من الخليفة». لقد ترك سقوط الخلافة فراغًا لم تستطع السلطات الدينيّة تحمّله: وفي هذا السياق كان لا بدّ من لفتةٍ قويّة ورمزيّة من المسلمين وهي نشر القرآن بإشراف لجنةٍ علميّة؛ حيث إنّ طباعة القرآن هي الخطوة الأولى في جعل القاهرة العاصمة الجديدة للخلافة وجعل الأزهر الأب الروحيّ لهذه الطبعة بلا منازع. كما أشار د. عزيز هلال إلى أنّ التاريخ المذكور في بيانات النسخ لهذه الطبعة هو عام ١٩١٩. كما أن تاريخ ١٩٢٤ الّذي اختاره التقليد يتماشى رمزيًّا مع تاريخ سقوط الخلافة.

أيّ طبعةٍ؟ مسألة الرسم؟

في الجلسة الأخيرة من المؤتمر، تضمّنتْ مداخلة د. عمر حمدان من جامعة توبينغن الألمانيّة حول شرح أسباب اختيار الرسم العثمانيّ لنسخ القرآن. وقد بدأ مداخلته باقتباسٍ من الباقلانيّ الّذي يؤكّد في كتابه «إعجاز القرآن» أنّ القرآن كُتب «على الطريق الأخصر»، وأنّ الرسم العثمانيّ هو الّذي يجعل هذه الطريقة القصيرة ممكنةً. في الحقيقة، إنّ هذا الرسم يفضّل الحذف عند الضرورة. وعلى سبيل المثال:

  • عندما يأتي حرف الواو مرّتين في الكلمة الواحدة من الضروريّ حذف إحداهما، حيث يجب أن نكتب «لا تلون» بدلًا من «لا تلوون».
  • يجب أن يلتصق الضمير المتّصل بالحرف الأمّ مثل: «فأحيهم» بدلًا من «فأحياهم». حرف الياء هنا هو الحرف الأمّ بالنسبة للضمير المتّصل وليس حرف الألف.
  • يجب حذف العائق الّذي يمنع الكلمة أن تكون وحدةً واحدة فمثلًا يجب أن نكتب «نضّختن» بدلًا من «نضّاختان».

يمكننا عرض المزيد من الأمثلة لنوضح أوّلًا وقبل كلّ شيءٍ أنّه بالنسبة للقرآن لا تُعطى الأولويّة للنصّ المكتوب إنما تُعطى الأولويّة للتلاوة. بالنسبة للمسلمين، لكي يعيش القرآن إلى الأبد «في الصدور»، يجب دائمًا توجيه القراءة أو الكتابة والتحكّم فيهما من خلال التلاوة والحفظ.

من ناحيةٍ أخرى، أوضح د. عمر حمدان أنّ مصحف الملك فؤاد لم يحترم دائمًا قواعد الرسم العثمانيّ.

ما هي آفاق البحث؟

في المداخلة الختاميّة اقترحتْ د. أسماء الهلاليّ برنامجًا للأبحاث القادمة. وبالأخصّ اقترحتْ إدماج مسألة الطبعات ضمن منهجيّة ما سمّتْها بـ«علم حفريّات المعرفة».

مسألة المرأة في قلب إعادة الإحياء الروحيّ للإسلام

د. أسماء المرابط

المؤسّسة الأوروبّيّة العربيّة التابعة لجامعة غرناطة الإسبانيّة

icon-calendar الأحد ٢١ فبراير ٢٠٢١

</p

اضغط هنا لمشاهدة المحاضرة على يوتيوب (باللغة الفرنسيّة ومصحوبة بترجمةٍ نصيّة للعربيّة)…

مثلها مثل العديد من النساء المسلمات اللواتي يعملن في دوائر فكريّة مُدافعة عن حقوق المرأة مثل جمعيّة كرامة في الولايات المتّحدة، أو جمعيّة مساواة في ماليزيا، تحاول د. أسماء المرابط، من خلال الكشف عن نهجٍ أخلاقيّ روحانيّ، التغلّبَ على النهج الأبويّ الشرعيّ الكاره والرافض للنساء والّذي ساد في العلوم الإسلاميّة عبر القرون، ولا سيّما من خلال المواقف الفقهيّة التقليديّة. فبدلًا من الاعتماد على بعض آيات المواريث أو الشهادة أو تعدّد الزوجات، واستخلاص المبادئ التشريعيّة العامّة لكلّ ما يخصّ «المرأة المسلمة»، ترتقي القراءة الإصلاحيّة الأخلاقيّة إلى قراءةٍ شموليّة للقرآن الكريم، تأخذ في الاعتبار مقاصد الشريعة الّتي من بينها المصلحة العامّة ورفع الحرج، وإقامة العدل. يجب فهم مكانة المرأة على ضوء القيم القرآنيّة العامّة مثل العدالة، والقسط، والرحمة، والتقوى، والمحبّة، والحكمة، والتعاون على البرّ والتقوى، وحماية المُستضعَفين في الأرض، وليس على ضوء الآيات الخمس أو الستّ الّتي فُسّرتْ بعُجالة وأصبحتْ مبادئ تشريعيّة مُقدّسة لا يمكن طرحها للنقاش.

إنّ الأمل في التجديد الّذي تحمله هذه القراءة الأخلاقيّة هو في صالح تحرير الجميع —وبالأخصّ الأضعف— وليس فقط النساء اللواتي حُجِبْن تمامًا في التراث الإسلاميّ.

آفاق مستقبل الدراسات القرآنيّة في الغرب (من القرن الثاني عشر إلى القرن الثامن عشر الميلاديّين)

سنى بو أنطون

طالبة دكتواره في جامعة السوربون الفرنسيّة

icon-calendar الثلاثاء ١٠ نوفمبر ٢٠٢٠

إنّ الدراسات الغربيّة للقرآن الكريم لها تاريخٌ قديم للغاية يعود إلى القرن الثاني عشر الميلاديّ، وهو تاريخ مهمٌّ دراستُه من أجل فهم تحدّيّات الوضع الراهن بشكلٍ أفضل. تتضمّن هذه الدراسات الغربيّة للقرآن الكريم في الأساس ممارسة الترجمة المصحوبة بشروحٍ تتشابك فيها ملاحظاتٌ لغويّة واسعة النطاق مع محتوًى مثيرًا للجدل، وبذلك تشهد على العلاقة المتناقضة الموجودة بين الغرب والشرق، وبالتالي بين المتخصصّين الأوروبّيّين في اللغات الساميّة وبين القرآن الكريم.

أثارتْ عدّة عوامل اهتمام العلماء في أوروبّا في العصور الوسطى بدراسة القرآن الكريم. اعتبر البعض في البداية أنّ اللغة العربيّة يمكن أن تساعدهم على فهم اللغة العبريّة واللغات الساميّة الأخرى بشكلٍ أفضل. بينما كان لدى البعض الآخر مشروعٌ لتبشير المسلمين. وأخيرًا أراد البعض منهم فهم الإسلام بشكلٍ أفضل، ومن ثمّ فسّروه تلقائيًا على أنّه بدعةٌ مسيحيّة.

إذا كان القرآن الكريم، قبل القرن الثاني عشر، معروفًا في الغرب فقط من خلال عيون المسيحيّين الشرقيّين، فإنّ الترجمة اللاتينيّة لـروبرت كيتن في عام ١١٤٣ أتاحتْ الوصول المباشر إلى النصّ للباحثين الغربيّين. باستخدام لغةٍ لاتينيّة إنجيليّة رفيعة، واستنادًا إلى  التفاسير التراثيّة، مثل تلك الخاصّة بتفسير الطبريّ (ت. ٩٢٣/٣١٠)، فإنّ ترجمة روبرت كيتن كانتْ تهدف بالتأكيد لدحض القرآن، ولكن من خلال التعامل معه بجدّيّة.

تغيّر الوضع في القرن الرابع عشر الميلاديّ مع فلاسفة الإنسناويّة في عصر النهضة، الّذين هم في علاقةٍ يسودها النزاع مع الإمبراطوريّة العثمانيّة، والّذين يصرّون على البُعد السياسيّ لشخصيّة النبيّ محمّد أكثر من إصرارهم على رسالته الأخلاقيّة والأخرويّة. كما أنّ فلاسفة النهضة الإنسانيّة يضعون اللغة العربيّة في المرتبة الثانية بعد اللغة العبريّة. قد تمّ نشر الترجمات الأولى باللغات الأوروبّيّة العاميّة للقرآن.

تميل التيّارات المناهضة لرجال الدين والمناهضة للمسيحيّة الّتي تعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديّين في أوروبّا إلى تقديم الإسلام على أنّه دينٌ أكثر عقلانيّة من المسيحيّة. أمّا بالنسبة للمكانة المهيمنة للغة العبريّة في الدراسات الساميّة، فقد دعّمتْها البروتستانتيّة.

كما يكتب چون تولان، فإنّ الدراسات القرآنيّة في الغرب كانتْ قبل كلّ شيء مرآةً للمدارس الفكريّة الأوروبّيّة، بذلك تساؤلاتها بها واهتماماتها ونزاعاتها الداخليّة حول القضايا الخاصّة بالكتاب المقدّس والقضايا الدينيّة بشكلٍ عامّ.

دخول التصوّف في منهج الجامعة

ملاحظات على بحثٍ يقوم به سيمون كونراد

طالب دكتوراه في جامعة برينستون الأمريكيّة

icon-calendar الثلاثاء ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٠

عندما عاد أبو العِلا عفيفيّ (١٨٩٧‒١٩٦٦) من مدينة كامبريدچ الإنجليزيّة عام ١٩٣٠ حاملًا درجة الدكتوراه، بعد تسع سنوات من الدراسة، كان مصمّمًا على إدخال الدراسات الصوفيّة في الجامعة المصريّة. اعتبر زملاؤه هذه الفكرة سخيفةً وجنونيّة، بما أرادوا أصلًا تكليفه بتدريس المنطق. تضمّنتْ أبحاث الدكتوراه الخاصّة بأبي العلا عفيفيّ تنسيق فكر محيي الدين ابن عربيّ (ت. ١٢٤٠/٦٣٨) الّذي تعامل معه على أنّه فيلسوف الذوق لا متصوّف وبذلك ساوى أبو العلا عفيفيّ بين ابن عربيّ وبين الفلاسفة المعاصرين مثل وليم چيمس (١٨٤٢‒١٩١٠) أو هنري برجسون (١٨٥٩‒١٩٤١). إذا كان التصوّف على المستوى الشخصيّ هو ما يثير اهتمام أبي العلا عفيفيّ، والّذي يُعرّف بأنّه ذوق الإلهيّات، فإنّ بحثه الأكاديميّ هو قبل كلّ شيء اقتراح تحليل لنصوص التراث العربيّ الإسلاميّ من خلال استخدام الأدوات الفكريّة المعاصرة.

كان أبو العلا عفيفيّ مفكرًّا وصوفيًّا حذرًا، إلّا أنّه دخل في مجادلات علانيّة مع معاصريه حول مسألة التعارض —والّذي رفضه— بين الشرق المُفترض أنّه روحانيّ والغرب المادّيّ، أو حول الوضع المعرفيّ للذوق كما اعتبر أنّ هذا التعارض يمكن أن يكون مصدر معرفة في حدّ ذاته.

يُعدّ أبو العلا عفيفيّ، مثل غيره من المفكّرين الّذين كرّسوا أنفسهم من أجل تسليط الضوء على التقليد الصوفيّ في عصره، حلقةً مفقودة في تاريخ الفكر العربيّ في زمن إنهاء الاستعمار ويمهّد الطريق لمفكّرين لامعين مثل أبي الوفا الغنيميّ التفتازانيّ (١٩٣٠‒١٩٩٤) وعبد الرحمن بدويّ (١٩١٧‒٢٠٠٢).

القراءة في القرون الثلاثة الأُولى من الإسلام

الندوة الثالثة للمعهد الدومنيكيّ للدراسات الشرقيّة (بالقاهرة، على الإنترنت)

icon-calendar من ١٦ إلى ١٨ أكتوبر ٢٠٢٠

مُحاضر الشرف: د. ديڤين ستيوارت، جامعة إيموري (أتلانتا)

التنسيق العلميّ: د. أسماء هلالي (مدينة ليل الفرنسيّة)؛ د. آن سيلڤي بواليڤو (عضو المعهد، ستراسبورغ)

تُعدّ الأسئلة الّتي يثيرها موضوع التلاوة كثيرةً ويصعب أحيانًا تحديدها كما لخّصه د. ديڤين ستيوارت بإتقانٍ خلال كلمته الختاميّة. تكمُن الصعوبة الأولى في الترتيب المنهجيّ: فنحن نتحدّث هنا عن ظاهرةٍ هي بشكلٍ أساسيّ شفهيّة، وفي الوقت نفسه نبحث عن آثارٍ مدوَّنة لها. أوضحتْ المداخلات المختلفة تنوّع المصادر المُمكنة، منها: نقوشٌ حجريّة ورسومات أثريّة على الفخار وورق برديّ ومخطوطات. نجد المعلومات المتعلّقة بالتلاوة إمّا في هوامش النصّ وإمّا مُدوّنةٌ بين السطور، أو تُستنتج من الأفعال المستخدمة لوصف الطريقة الّتي يتمّ بها نقل محتوى النصّ.

وبشكلٍ جوهريّ، فإنّ موضوع التلاوة يحتّم علينا مناقشة مسألة ماهيّة النصّ عينِه. تمثّل الخُطبة مثالًا أعلى لهذه الإشكاليّة: تبدأ الخطبةُ كنقاطٍ يخططها ويحفظها الواعظ عن ظهر قلب من خلال ملاحظاتٍ قد تكون مكتوبةً، ثمّ يتمّ قراءتها وفقًا للفكرة الأوّليّة أو غيرها، ثمّ يدوّنها بعض المُستمعين أثناء الاستماع لها أو بعده، ثمّ يكتبها مؤلّفٌ مُحترف وفقًا للمعايير الأدبيّة المناسبة لها، ثمّ تُنسخ الخطبة في نسخةٍ يمكن إعادة قراءتها من قبل الخطيب نفسه الّذي ألقاها. في هذه الحالة ما هو «نصّ» هذه الخُطبة؟ بالنسبة إلى صلوات الطقس القبطيّ على القربان والخمر، كان لا بدّ في القرون الأولى أن يرتجلها القسّ، ثمّ تثبّتتْ تدريجيًّا على مرّ الزمان حتّى تأخذ شكلها النهائيّ وهذا تحت تأثير التغييرات اللغويّة والخلافات العقائديّة. أمّا النصّ القرآنيّ فتدوّن وتثبّت في الوقت عينه الّذي تمّ فيه تداوله كتابةً ومشافهةً.

لسوء الحظّ، لم يسمح لنا انعقاد الندوة عبر الإنترنت بإفساح مجال للتحدّث عن التلاوة في الزرادشتيّة أو اليهوديّة أو في البيزنطيّة. سؤالٌ أخرى لم نناقشه وهو القوّة الخاصّة التي تكتسبها الكلمات خلال تلاوتها. تخلق بالفعل تلاوة نصٍّ ما تأثيرًا مختلفًا عن قراءته الصامتة، معلنةً كانتْ أم سرّيّةً. هل يمكن دراسة هذا التأثير؟ وبصورةٍ عامّة، ما هي أهداف التلاوة؟ يمكننا أن نعدّ من بينها: التعليم، ونقل النصّ، والتقوى، والاستمتاع، واكتساب الحسنات، وتعزيز سلطة النصّ.

ستكون كلّ هذه الأسئلة موضوع العدد ٣٧ (٢٠٢٢) لمجلّة المعهد. الموعد النهائيّ لإرسال مقالاتكم للتقييم الأكاديميّ ١ فبراير ٢٠٢١. اضغط هنا لمزيدٍ من التفاصيل…

إسلام القرآن أو إسلام الحديث: كيف نتجاوز الفجوة بين ”مفكري الإسلام الجدد‟ و”العلماء‟؟

د. يوسف سنغاري

جامعة كليمون أوڤيرنيي (فرنسا)

icon-calendar ٢١ يونيو ٢٠٢٠

اضغط هنا لمشاهدة المحاضرة على يوتيوب (بالفرنسيّة مصحوبةٌ بترجمةٍ عربيّة)

يُعتبر السيّد كمال الحيدريّ المرجع الشيعيّ (من مواليد ١٩٥٦) أحد أكثر العلماء نشاطًا على الشبكات الاجتماعيّة، حيث يتابعه جمهورٌ كبير. يقرّر السيّد الحيدريّ في كتاباته أنّ الإسلام بعد وفاة النبيّ أصبح طائفيًّا وأنّ الحديث الشريف يعكس إلى حدٍّ كبير الخلاف الّذي أُثير حول مسألة مستحقّ خلافة النبيّ. لكن الحيدريّ ليس «قرآنيًّا» فهو لا يرفض الحديث. لكن يشير فقط إلى أنّ القرآن تعدّديّ في طبيعته وأنّه يؤسّس ما يسمّيه بـ«ثقافة الاختلاف». يستمدّ الحيدريّ من هذا المبدأ أنّ «الاختلاف سنّةٌ إلهيّة». فهذا يعني على سبيل المثال أنّ الخلافات بين الشيعة والسنّة مشروعة. ضمن هذا الإطار، فإنّ الاجتهاد هو السبيل الأسمى لتطبيق «ثقافة التعدّديّة».

كيف يمكن لجريدةٍ كاثوليكيّة أن تتحدّث عن الإسلام؟

آن بنديكت هوفنير

صحفيّة في جريدة «لاكروا» الفرنسيّة

icon-calendar الأحد ١٦ فبراير ٢٠٢٠

 

طلبنا من السيّدة/ آن بنديكت هوفنير والّتي كانتْ مسؤولةً عن تغطية أخبار الإسلام لعدّة سنوات في جريدة «لاكروا» الكاثوليكيّة، أن تعرض لنا تجربتها. مع أنّها لم تكن تعرف أيّ شيءٍ عن الإسلام وقت قبولها لهذا المنصب، لكنّها خاضتْ مغامرة تغطية الحوار الإسلاميّ المسيحيّ وأخبار الإسلام في فرنسا. من خلال اللقاءات والزيارات الميدانيّة المتعدّدة، استطاعتْ عمل دفترٍ شامل خاصّ بها يحتوي على بيانات مؤسّسات إسلاميّة كبرى ومساجد ومراكز ثقافيّة ومفكّرين وعلماء مسلمين وغير مسلمين مؤمنين ومتشكّكين كما طوّرتْ قواعد للعمل وهي ١) تغطية أخبار الحوار الإسلاميّ المسيحيّ بشكلٍ منفصل عن أخبار الإسلام في فرنسا، ٢) الأخذ في الاعتبار الدوافع الدينيّة وراء أعمال العنف الّتي تُرتكب أحيانًا باسم الإسلام، ٣) الحديث عن المسيحيّين في الشرق دون تركيب ما يمكنهم اختباره في الشرق على الوضع في فرنسا، ٤) رفض مقابلة مستخدمي العنف اللفظيّ على شبكات التواصل الاجتماعيّة.

إنّ التعامل البنّاء والمتعقّل مع المؤمنين من ديانات أخرى هو بالتأكيد قضيّة مهمّة للغاية مثل قضيّة الاحتباس الحراريّ اليوم. كما أنّ للمسيحيّين الكاثوليك دورًا يمكنهم القيام به في هذا المجال بما أنّهم اختبروا تحدّيات الإيمان في العالم المعاصر وإشكاليّاته.

قراءةٌ أوّليّة لكتاب «قرآن المؤرّخين» (باريس ٢٠١٩)

أدريان دي چارمي

طالب دكتوراه في جامعة السوربون الفرنسيّة وحاصل على منحة دكتوراه مشتركة بين المعهد الدومنيكيّ والمعهد الفرنسيّ للآثار

icon-calendar الثلاثاء ١١ فبراير ٢٠٢٠

إذا كان علماءُ التفسير يعتبرون القرآن الكريم نقطة انطلاق ويسعون قبل كلّ شيءٍ إلى تفسيره من خلال الإشارة إلى السيرة النبويّة والأحاديث الشريفة فإنّ هناك اتّجاهًا آخر لبعض الباحثين المعاصرين في الغرب يعتبر القرآن الكريم نقطة وصول بمعنى أنّه نتاج نهاية العصر القديم والّذي تجمّعتْ فيه التقاليد الدينيّة والفلسفيةّ والثقافيّة السابقة. وهناك اتّجاهٌ ثالث يدرس القرآن الكريم بعيدًا عن سياقه التاريخيّ القديم وعن التراث الإسلاميّ.

يختار كتاب «قرآن المؤرّخين» بشكلٍ قويّ هذا الاتّجاه الثاني الّذي يدرس النصّ القرآنيّ في سياقه التاريخيّ القديم مستبعدًا دراسات الباحثين مثل چاكلين شابّي أو ميشيل كويبرس الّذين يدرسون القرآن الكريم في حدّ ذاته أو مدرسة الباحثة أنجلينكا نويڤرت الّتي لا ترفض التراث الإسلاميّ كمصدرٍ لفهم النصّ.

يرى الباحث جيوم دي، أحد المشرفَيْن على هذا الكتاب، أنّ النصّ القرآنيّ معقّدٌ ومركّبٌ حيث إنّه ليس بعملٍ لرجلٍ واحد ولا بكتابٍ مغلق بل مجموعةٌ مفتوحة من النصوص تمّ بناؤها تدريجيًّا بالحوار مع السياق التاريخيّ الخاصّ بنهاية العصر القديم. بخلاف الرؤية الإسلاميّة الشائعة والّتي تعطي الخليفة عثمان بن عفّان (ت ٦٥٦/٣٥) دورًا في تحرير الشكل النهائيّ للرسم، يحدّد الباحث جيوم دي عهد الخليفة الأمويّ عبد الملك بن مروان (ت ٧٠٥/٨٦) على أنّه السياق السياسيّ والثقافيّ الّذي أثّر بشكلٍ أكبر على النصّ.

يتكوّن كتاب «قرآن المؤرّخين» من ثلاثة مجلّدات، يضمّ الأوّل عشرين دراسةً تاريخيّة كما يضمّ المجلّدان الثاني والثالث تحليلًا منهجيًّا للنصّ القرآني بأكمله. يُعتبر إذًا هذا الكتاب أداةً ضروريّة للباحثين ولقرّاء القرآن الكريم مهما كانتْ توجّهاتهم الفكريّة والدينيّة.

البحث عن «التكارير» في مصر في العصور الوسطى: محاولة التحقّق من دلائل وجودهم

هادريان كوليه

المعهد الفرنسيّ للآثار الشرقيّة

icon-calendar الأربعاء ٢٢ يناير ٢٠٢٠

من الناحية التاريخيّة، كانتْ مملكة «تكرور» إحدى أوائل المناطق في غرب إفريقيا الّتي اعتنقتْ الإسلام في منتصف القرن الخامس الهجريّ/ الحادي عشر الميلاديّ. لقد كانتْ معروفةً نوعًا ما لدى المؤلّفين العرب حيث ذكرها عليّ بن الحسين المسعوديّ (ت ٩٥٦/٣٤٥) في كتابٍ منسوبٍ له بعنوان أخبار الزمان. بعد سقوط بغداد في عام ١٢٥٨/٦٥٦ أصبحتْ القاهرة المركز الجديد للحضارة الإسلاميّة وبدأتْ المصادر العربيّة تذكر وجود «التكارير» في القاهرة (ومفردها «تكروريّ»)، قاصدةً بها مسلمي غرب إفريقيا بشكلٍ عامّ. كانوا إمّا يمرّون على مصر في طريقهم إلى مكّة أو يأتون إليها بهدف طلب العلم أو للإقامة فيها بشكلٍ دائم.

كان أوّل حجّ لملكٍ من ملوك «تكرور» في المصادر العربيّة تمّ توثيقه هو حجّ المَنْسا موسى في عام ١٣٢٤/٧٢٤. تأثّر سكّان القاهرة تأثّرًا قويًّا حين وصلتْ قافلتُه المكوّنة من خمسة عشر ألف رجلٍ كما رواه أحمد بن عليّ المقريزيّ (ت ١٤٤٢/٨٤٥) في كتابه السلوك لمعرفة دول الملوك. لقد أحضر معه اثني عشر طنًّا من الذهب ممّا أدّى إلى انخفاض سعره في السوق لفترةٍ طويلة جدًّا.

أخيرًا، من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر الميلاديّين تذكر المصادر حوالي عشرين وليًّا صوفيًّا من «التكارير» مدفونين في مقابر القرافة في القاهرة حيث أصبحتْ مقابرهم مزارًا.